بقلم \ الكاتب و المفكر خالد محمود عبد اللطيف رئيس تحرير جريدة الأمة العربية ورئيس اتحاد الوطن العربى الدولي من المتفق عليه لدى دارسي الفن الإسلامي أن الفنان المسلم – في جميع عصوره، وفي مختلف أصقاعه – لم يقلد الطبيعة ولم ينقل عنها.
إن هذا الموقف لم يكن ناتجاً عن جهل هذا الفنان بجمال الطبيعة وعطاءاتها الفنية الرائعة، فهو واحد من المسلمين الذين تربطهم بكتابهم أوثق الروابط، فصلته به دائمة، سواء أكان ذلك في صلاته اليومية أم في تلاوته تقرباً إلى الله تعالى…
وقد رأينا كيف أن القرآن الكريم كانت له جولات كثيرة مع الطبيعة يعرض مشاهدها، ويلفت النظر إلى جمالها، ويدعو إلى تأملها، وإعادة النظر فيها وتكراره..
ولهذا كانت الطبيعة هي الكتاب المفتوح الذي يفسر عملياً الكثير من آيات الوحي المنزل.. وباتت مرجعاً من مراجع تفسير هذا الكتاب المجيد.
فهل كان الفنان المسلم بمعزل عن هذا الكتاب؟ ولم تسترع نظره تلك المشاهد، ولم تلامس سمعه تلك النداءات الداعية إلى التأمل والنظر في هذا الكون؟!
ما نعتقد ذلك.
إن الفنان في دقة مشاعره ورهافة أحاسيسه، يتوقف حيث يتابع غيره السير، ويحدق ببصره حيث يكتفي غيره بالنظرة العابرة، فما كان له أن ينسى الطبيعة وهي الميدان الفسيح لعالم الجمال، الذي لا بد لكل فنان – أياً كان شأنه – أن يمكث في مدرستها يتعلم فيها دقة الملاحظة، حيث التفريق بين المتقارب من الألوان والأشكال، وكذا التمييز والمقارنة بين الظلال والحجوم.. ومعرفة العلاقة في التناسب والتوازن فيما يقع تحت بصره أو تحت سمعه…
ومما يزيد الطبيعة رفعة في عين هذا الفنان، أنها من صنع الله، وهي بهذا المعنى ميدان الكمال، وإذا أحس بما يخدش هذا المعنى فليراجع حسابه، فربما فاته شيء – لدقته مثلاً – فلم يعطه قدره…
إن إعراض الفنان المسلم عن تقليد الطبيعة لا يعني جحود فضلها أو إنكار مكانتها أو تهويناً من شأن جمالها، أو تكبراً عن الجلوس بين يديها..
كما لا يعني إعراضه عن تقليدها، عدم قدرته على ذلك، فقد ثبت من قدرته وبراعته الشيء الكثير.. حيث ما تزال آثار هذه القدرة تبهر الأنظار على مر العصور وفي مختلف الأقطار.. علماً بأن التقليد إن هو إلا الخطوة الأولى في طريق الفن..
ولكنه الإجلال والتقديس لخالقها!!
إنه لم يفعل، لأنه “مسلم” والإسلام “التزام”.
إن هذا الالتزام منع الكاتب المسلم – كل كاتب – من استعمال كلمة “الخَلْق” منسوبة إلى الإنسان، لأن عملية الخلق هي مما اختص الله تعالى به، فلا يصح أن تنسب إلى غيره..
كما منع هذا الالتزام الفنان المسلم من تقليد الطبيعة، لأنه لا يريد أن “يضاهي بخلق الله” أو أن “يشبه بخلق الله” ولأنه لا يريد أن يكون يوم القيامة في زمرة من يقال لهم “أحيوا ما خلقتم”[1].
وهكذا اتجه الفن الإسلامي إلى مجالات جديدة، أظهر فيها فنانوه من الإبداع وتحقيق الجمال ما لم يسبقوا إليه. • • • •
وهذا لا يعني أن الفنان المسلم، أعرض عن الطبيعة إعراضاً كلياً، أو أنه لم يستفد منها.. أو أنه لم يرسمها.
أجل: إنه رسمها وتفنن في ذلك..
أما كيف رسمها؟ فذلك ما نتعرف إليه في الباب الثالث من هذا الكتاب عند الحديث عن فن الرسم، إن شاء الله تعالى.